القدس عاصمة الثقافة العربية .. التطبيع ومقاومة الاحتلال

في 21 مارس 2009 تنطلق فعاليات "القدس عاصمة الثقافة العربية"، بدءاً من القدس، وصولاً الى الافتتاح الكبير في بيت لحم. هناك فعاليات عديدة جرى التحضير لها بهدوء وإتقان، ووفقاً لما هو متاح من امكانات. ستكون فعاليات هذه الاحتفالية، وعلى امتداد العام، محكومة بعوامل ودوافع متشابكة ومعقدة، في المقدم منها محاولات الاحتلال الاسرائيلي عرقلة ما يمكن عرقلته، تأكيداً لسياساته القائمة على اعتبار القدس "عاصمة موحدة وأزلية لدولة اسرائيل". السلطة الوطنية الفلسطينية، من جهتها، ستعمل كل جهدها، وبالتعاون مع العرب جميعاً، بأن القدس هي احد اهم معالم العالم الإسلامي والعربي، وبأن هويتها الفلسطينية هي هوية مقاومة للأسرلة ومسح الهوية العربية عن هذه المدينة.
من هنا، تحديداً، فإن فرصة هذه الفعاليات، وعلى امتداد العام، ستكون مسرحاً ملائماً لمقاومة الاحتلال، وبالأساليب الثقافية والحضارية الملائمة. ومن هنا، تحديداً، ايضاً، فإن المشاركة في تلك الفعاليات وحضور من سيتمكن من الحضور، أكان على صعيد الاحتفال بالافتتاح، او في نشاطات هذا العام، هي شكل من أشكال مقاومة الاحتلال، وتأكيد على عروبة القدس، ودعم للفلسطينيين في نضالهم المشروع في اقامة دولتهم المستقلة فوق الاراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في السادس من حزيران 1967 وعاصمتها القدس.
هناك اولاً، التواصل التاريخي والحضاري والثقافي للهوية الوطنية الفلسطينية، بدءاً من انبثاق وتبلور الهوية الوطنية الفلسطينية وحتى اللحظة. حاولت اسرائيل الفصل ما بين 1948 وبعد 1948، وضرب مقومات الهوية الوطنية. لعل من مهام الفعاليات الثقافية اظهار وحدة الشخصية الوطنية الفلسطينية وترابطها، عبر تكريم مبدعين من أدباء وكتاب وفنانين فلسطينيين، كان لهم دور التأسيس في الثقافة الوطنية، وكذلك اظهار الأبعاد الفنية والادبية والثقافية عموماً للشعب الفلسطيني، ومعاناة تلك الثقافة في ظل الاحتلال والحروب والتهجير.
اذاً، فالاحتفالية في أساسها وجوهرها ومراميها، هي لمقاومة الاحتلال، وتأكيد معاني الكفاح الوطني وأعماقه الثقافية. ومع وضوح ذلك، هناك من يحاول محاربتها، بقصد وتخطيط مسبق، وعبر أجندات، لا تصب حكماً في القناة الوطنية، وهناك من يندفع، ودون ادراك وتمحيص لازم، للانجرار وراء المحاربة، ودون ادراك لنتائج ذلك.
لعل بعض ما قرأناه يوضح ذلك، وبجلاء. هناك من دعا لمقاطعة هذه الاحتفالية، بحجة ودعوى انها ذات طابع تطبيعي، دون تحديد لمعنى التطبيع. التطبيع بالمعنى السياسي، الخاص بنا كفلسطينيين، هو الإقرار بالاحتلال وتجسيداته من جدار واستيطان وحواجز ومعسكرات واغتصاب للأرض الفلسطينية، وفقاً لتحديدات مقررات الشرعية الدولية وفي المقدم منها 242 و338، واعتباره أمراً طبيعياً وبالتالي القبول به والتعاطي معه.
عكس ذلك، وفي حالة الاعلان والإشهار والتحديد، بأبعاد الاحتلال ومظاهره، والمطالبة بجلائه وعلى الصعد كافة، فهذه مقاومة سياسية، وتحتاج الى جهود دؤوبة ومتواصلة، دون ملل او كلل. هذه الحرب السياسية تحتاج الى عوامل مساعدة، والى عمق ثقافي وإعلامي واضح وصريح. الحوار مع العدو ليس تطبيعاً، وكل حركات المقاومة تفاوضت مع أعدائها، وتحاورت مع مؤسساته، وهي لا تقر، بالطبع، بطبيعة وجود هذا الاحتلال، وصولاً للجلاء والاستقلال.
هناك من ينصب "فزاعات" على طريق هذه الاحتفالية، وكأن المشارك بها، سيقر بالاحتلال ومظاهره وأشكاله، في وقت ان برامج الاحتفالية كلها تقوم على أساس وطني لا تطبيع فيه ولا من يحزنون. على من يقول بالتطبيع، أن يحدد معناه وأبعاده، وأن يطرح ما يراه أنه مقاومة ثقافية، على بساط البحث، بل أن يمارس ما يراه مقاومة، دون "نصب الفزاعات" على الطريق، وعرقلة عمل فعاليات وطنية مقاومة، لصالح شعارات غير محددة، بل ولا معنى لها واقعياً.
أيام، وستنطلق فعاليات "القدس عاصمة الثقافة العربية"، والآمال معقودة على مشاركة الجميع، تأكيداً لهوية القدس العربية، وتجذيراً للثقافة الوطنية الفلسطينية، التي أسهمت بعمق وجدارة في بناء الثقافة العربية عموماً!!.